
توجعات المنفيّ
عمر ابو الهيجاء
1
تقول أُمي،
منذُ أكثر من هزيمةْ،
وأنت تخرج
من سهول الغيبِ
نحو الروح
ممتشقاً تراتيل المدينةْ،
زهرةً
حجراً
وشكلاً للمدى والأجنحةْ،
تقول أُمي،
منذ أكثر من هزيمةْ،
وأنت تولدُ في ضباب الريحِ
متكئاً على لغة توسدها الأماني الصادحةْ،
يا أيُّها المنفيُّ منذ البحر.. قاومْ
لا تنتظر أحداً
فتلك مرارة الأشياء في عينيكَ
تأخذ شهوة الموتى الى كل البراري،
ثم تقرأُ في دياجي الموتِ
سرَّ الفاتحةْ.
2
قليلاً أرح يا صديقي الجسدْ،
وخضب يديكَ فضاءً جديدا
فهذي الأصابعُ ترنو
إلى واحة القلب حتى تعشَّب ورداً
بدا أخضرا،
قليلاً أرح ظلّنا فوق درب الندامى
وفكَّ انتسابَ الزمانِ لهذا الزردْ
لألهث خلف البراري
أنادم روحي
أشق الرحيل فضاء
ودربا،
وأطلقُ كل الذي اشتهيه
وألهث نحو إمتداد الفصولِ
التي تصعد الآن نحوي
ونحو الزندْ
فقلبي طليق
وما من أحدْ.
3
أُغادر قلبي إليكَ
فتلبسني غيمةٌ
أمدُّ يديَّ
فتلقي إليَّ يديكَ
وأطفو إلى قارعات الحمامْ
فيرحل تحت اغترابي
قميص الزحامْ
وأصعد في غابة الظلِّ
أفرد غيم انتمائي
وأمشي كحلمي على ساعديكَ وأعرف أن الطريقَ
إلى قلب أمي
منازل شوكٍ
علامة موتٍ
وأعرف أن انبثاقي
إلى صدر دربي
علامةُ وقتْ.
4
إيهِ
أبحث عن قمر تعبره أغاني،
دمٌ كنعاني،
أُوقظ فيه نشيدي المتعب
وأرقب فيه تفاصيل الريحْ،
أُقسم لو شرّقت إلى ادراج الموج به
لأنزاح إلى قلب جريحْ،
كي ينفض غبار الرحلة والموت الهادىء
أقسم لو غرّبت إلى أسرار السفح به
لأنزاح إلى صدري الحاني،
دمٌ كنعاني،
يحتشد الرعد على قدميه،
يدخل عتم شوارعنا،
يوقد شعلة وجه قاني،
ويسلُّ الرقم المتخم في كفيه،
كي يسرح في طقس الأعراسْ،
هذا دمٌ كنعاني،
يهرب من ظلي حين أنامْ،
وحين أُراهن أن منامي يوصلني للوطن الغالي،
هذا دم يعتسل على شفتي،
ويقارع سيفا لا يوصله إلى تابوت الأرضْ،
هذا دمٌ لا يهدأ فيه الموالْ،
وفيه صباح النبضْ،
هذا دم كنعاني،
يحلم بقطوف العنب الداني،
من صيّحات الخيّالْ.
5
شمسٌ لنا،
للأرض إذ تغصُّ في قوالب الأحزانْ،
لإنتفاضة الدم الفلسطيني،
وللوقت الملفع بالجراحْ،
للدمعة الحيرى على ترشيحة الأجفانْ،
وشمسٌ للنهارْ،
وإذا احترفنا خطى القصيدة بدايةًً،
نمشي إلى حقل الخيامْ،
ونعدُّ للجسد الفريد غمامةًً ونقيم للوطن المكانْ،
وإذا تأرجح في هواك النبضُ،
نعطيك جسماً
سلماً
للعابرين الأرض من زفر الزمانْ.
6
ستأتين من فرح
وأعزف وحدي،
ويرقص فيّ البعيدْ،
تعالي/
وضمي اشتعالي،
إذا الصحب يوما تداعوّ،
ونزَّ دمي في اكتمال النشيدْ،
تعالي/
وفكّي اشتهائي،
فتلك الحرائق تبدأ مني على سحبٍ من جليدْ.
7
في السِّجنِ المكتظِّ
القضبان
يتدحرج إثنانْ
ظلي..
وأنا
8
قل لي كيفَ نبضُ الرملِ هذا الوقتُ،
دون أشرعة إلى هذا العراء؟
قُلْ لي كيف تخرج من ثياب الحلم
امرأة وهذا الليل سِترُ الصمت
يمضي في الفضاء؟
قُلْ لي كيف تصعد من شفاه الموت
أشجارٌ
وتمضي
للسماء؟
9
على غير عادته
قالَ الشاعر: نعمْ
ولمّا آفاق
مات..
وبفمه .. لا
* اللوحة من رسم الفنان الفلسطيني الراحل اسماعيل شموط

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق